اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 489
الممانعة والمماراة وان جزم ان فعل مرشده خارج عن مقتضى العقل والشرع على زعمه بل حمل عموم أفعاله على المحمل الأحسن الأصوب وسكت عن مطلق المراء والمجادلة إذ المريد بعد ما فوض أموره كلها الى مرشده واتخذه وكيلا واخذه ضمينا وكفيلا فقد فنى فيه وبقي ببقائه فلم يبق له التصرف أصلا بمقتضيات قواه وجوارحه ومداركه. هب لنا ربنا من لدنك رحمة تنجينا بها من تسويلات نفوسنا.
ثم قال سبحانه على وجه التنبيه لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم وَيَسْئَلُونَكَ يا أكمل الرسل اى اليهود المردودون والنصارى المنحوسون المطرودون سؤال اقتراح وامتحان مثل سؤال اصحاب الكهف والروح عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ وأطواره وكيفية سيره وطوافه حول العالم قُلْ سَأَتْلُوا واقرأ واذكر ان شاء الله عَلَيْكُمْ مِنْهُ اى من ذي القرنين وقصته ذِكْراً قد أخبرني به سبحانه بالوحي في كتابه المعجز. وذو القرنين هو الإسكندر الأكبر الرومي بن فيلقوس الرومي سمى بذي القرنين لأنه طاف قرني الدنيا اى المشرق والمغرب قد اختلف في ولايته ونبوته
اخبر عنه سبحانه بقوله إِنَّا من مقام عظيم جودنا وفضلنا قد مَكَّنَّا وقدرنا لَهُ فِي الْأَرْضِ تمكنا تاما وقدرة كاملة وَذلك انا قد آتَيْناهُ أعطيناه تأييدا له وتعضيدا إياه مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً موصلا له الى مبتغاه وجميع ما أمله يعنى قد وفقناه على اسباب الوصول الى كل مطلوب قصده وأراد الوصول اليه
فَأَتْبَعَ سَبَباً متى ارتكب امرا لوثوقه واتكاله علينا وبانجاحنا إياه الى مبتغاه
ثم لما أراد ان يسير نحو المشرق فاتبع سببه وسار حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ اى موضعا تغيب فيه يعنى بلغ نهاية العمارة من جانب المغرب وَجَدَها اى الشمس تَغْرُبُ وتغيب فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ اى ذات حمأة وهي الطين والماء وقرئ حامية اى حارة ويجوز ان يكون عينا ذات حمأة وحرارة وبالجملة غروبها في رأى العين على عين صفتها هذه والا فلا تسع الشمس في جميع كرة الأرض فكيف بجزء منها إذ نسبة كرة الأرض الى عظم جرم الشمس عند اهل الرصد كنسبة جزء من مائة وست وستين جزأ على التقريب فكيف تغيب وتستتر هي بجزء منها وَوَجَدَ عِنْدَها اى عند العين الموصوفة قَوْماً كفارا نافيا للصانع الحكيم لباسهم جلود الوحوش وطعامهم ما لفظ البحر بالموج من انواع الحيوانات المائية فلما وصل ذو القرنين إليهم ووجدهم كفارا خيرناه في أمرهم عناية منا إياه بان قُلْنا له وألهمنا عليه مناديا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ لك الخيار في شأن هؤلاء الكفار إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ اى تهلكهم وتستأصلهم بكفرهم بحيث لا يبقى منهم احد وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ وتصنع فِيهِمْ حُسْناً شرعا ودينا كما في سائر المؤمنين
ثم لما خير ذو القرنين في أمرهم وفوض أمرهم اليه قالَ على مقتضى العدل والإنصاف الذي قد جبله الحق عليه ادعوهم أولا الى الايمان والقن عليهم كلمة التوحيد والعرفان أَمَّا مَنْ ظَلَمَ وتولى وابى وأصر على ما عليه من الكفر والهوى فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ او نقتله حدا بعد عرض الإسلام ولم يقبل في دار الدنيا ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ في يوم الجزاء فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً شديدا مجهولا غير متعارف بين اهل الدنيا شدته وفظاعته
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ منهم وَعَمِلَ على مقتضى الايمان عملا صالِحاً فنصلح حاله ونراعيه في الدنيا فَلَهُ في يوم الجزاء ووقت العطاء جَزاءً الْحُسْنى والمثوبة العظمى والدرجة العليا والمقام الأسنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا الذي قد أمرناه بالتخيير في امر أولئك الهالكين في تيه الغواية يُسْراً سهلا معتدلا بين افراط القتل والاستئصال وتفريط الإبقاء على الكفر والضلال مداهنة
ثُمَّ بعد ما قد وضع الشرع بالأمر الإلهي بين اهل المغرب
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 489